معرض ..حالة ..!!

Janine Benyus: Biomimicry in action


كل واحد مننا عنده "لا " كبيرة و يمكن أكتر من "لا" ..لكن مبيقولهاش ..مش عارف مستنى ايه ؟؟No بالانجليزى ..!!

أنا و هؤلاء : المسيري ... إنسانية الفكرة


المسيري ... إنسانية الفكرة
فى الذكرى الاولى لرحيله
هناء صابر

الدكتورعبدالوهاب ألمسيري , مفكر عربي إسلامي من طراز خاص , استطاع إن يخرج من فكر رآه غير قادر على العطاء و الاستمرارية , إلى أفق لا يحده جمود أو تعصب أو تبعية .فهو مفكر استثنائي , لم يكتفِ و يقنع باستيراد الإجابات الغربية على الأسئلة التي يطرحها واقعنا العربي الإسلامي , و محاولا إيجاد بديل حضاري يتناسب مع خصوصيتنا الحضارية و مع العصر الحديث .فغرد خارج السرب و خرج عن المألوف حتى يستطيع أن يرى المشهد العالمي بنظرة مختلفة ؛ نظرة المراقب و المحلل و الباحث عن الحقيقة , لا نظرة التبعية الحضارية و التبنى الأعمى لنظريات و أفكار أقل ما تتصف به أنها مقحمة في غير إطارها الفكري و لا الحضاري .

فهو المفكر المصري الكبير ..صاحب أهم الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين، الذي استطاع من خلالها إعطاء نظرة جديدة موسوعية علمية للظاهرة الصهيونية بشكل خاص, و تجربة الحداثة الغربية بشكل عام , مستخدما ما طوره أثناء حياته الأكاديمية من تطوير مفهوم النماذج التفسيرية ..

و هو المفكر الذي أجمعت عليه جميع طوائف العالم العربي و شهدت لفكره بالقدرة على التعبير الأصدق عن قضايا واقعنا العربي و الإسلامي .
و استطاع باقتدار أن يترجم هذا المنهج لمجموعة ليست بالقليلة من المشروعات الفكرية التي ساهم بها لخدمة العالم البشرى الإنسانى العام , و لمشروعه الحضاري الذي تبناه و ظل يعطيه من فكره و تنظيره حتى آخر يوم في حياته .



المادية و التبعية للغرب :



رغم بداياته الماركسية , إلا أنه لم يستسلم لمادية فكره , و الانتباه للنموذج الإنساني بتركيبته الخاصة التي لا يمكن إخضاعها لقوانين الطبيعة والمادة .فبدا رحلته في البحث عن حقيقة الحضارة الغربية حيث إن أفكارها هي التي سيطرت خلال المئتي عام السابقة على عالمنا العربي و الإسلامي ,
لاحظ المسيرى صعود المؤشر الحضاري الغربي , و تخلف الشعوب العربية , فأخضع أفكارها للتحليل و التقييم , و أيضا محاولة منه للوصول إلى إجابات للأسئلة التي يفرضها الواقع و التي كانت تقف حائلا أمام تبنيه الكامل للنموذج الغربي الحضاري , فوصل إلى أن علمانية و مادية الحضارة معا , كفيلان بان تهددان وجود الإنسان و تذهب به إلى الهاوية فكان هناك ضرورة ملحة في استحضار القيم الروحية والإنسانية النابعة من ارتكازه على رؤية إسلامية للحياة البشرية
وصل المسيرى إلى الرؤية الإسلامية البديلة في النهوض و التقدم بعد أن عجزت النماذج الحضارية الغربية عن تفسيرها لكثير من الظواهر و المشاكل المعاصرة من استعمار امبريالي , و عنصرية , و دمار و استهلاك و استبداد , و بعد إن أخضع هذه الظواهر لنماذج و طرق جديدة في التفكير لتفسير أكثر شمولية , فكما قال الإمام محمد عبده أن ضمان خروجنا من مأزقنا الحضاري هو في "الإبداع" .. فقد كان المسيرى مفكرا مبدعا حقا , استطاع الخروج بفكر جديد محاولة منه الإجابة على الأسئلة التي طرحها الواقع العربي الإسلامي المعاصر , و أيضا على الأسئلة التي طرحتها الحداثة الغربية على العالم و كانت هذه الإجابات نابعة عن رؤية إسلامية قومية .
انتقد المسيرى , الإنسان العربي الحديث , من خلال اتهامه بثقافته السمعية و إنه -على حد تعبيره- " عقله في أذنيه " , و أنه ناقل جيد بل ربما بارع لآخر ما يسمعه بأمانة " موضوعية " , تبعث على الضحك , على حد تعبيره .و بذلك فقد الإنسان العربي الحديث قدرته على تسمية الأشياء, و منها فهو فاقد للسيطرة على الواقع و لا يستطيع التعامل معه بكفاءة مطلوبة للعطاء الحضاري.
فالإنسان العربي " الحديث "يراكم المعلومات داخل مقولاته و أطره هو , مما قد يزيد من قدرته على التنبؤ بمسار هذا الواقع و يحسن من قدرته على التعامل معه .[1]

قدم لنا الدكتور عبدالوهاب المسيرى نقدا شموليا للحضارة المادية الغربية , و اجتهد حتى وصل إلى قناعة ( بتحيز ) لمرجعية الحضارة الإسلامية .



فقه التحيز :



هو مفكر تحيز لفاعلية العقل , فالعقل عند المسيرى هو مستقبل واع ليس سلبيا , لا يدرك الواقع مباشرة و لا بسطحية , و إنما يدركه بعد عمليات من التحليل و الحذف و الإضافة .فمن خلال تحيزاته و نموذجه التفسيري و المعرفي الذي يرى به الواقع , درس المسيرى الظواهر المختلفة من وجهة إنسانية مركبة و عميقة . و من هذه النظرة كان تأكيده على أهمية استرجاع البعد الاجتهادي و الاحتمالي و الإبداعي و النقدي و التحليلي للمعرفة .
حتمية المرجعية النهائية :
و من هنا تأكد له حتمية تحديد مرجعية نهائية و ذلك من خلال تبنى النموذج الحضاري العربي الإسلامي " الجماعى " المبنى على قيمها و خصوصيتها الحضارية و الثقافية و القيمية .و ذلك في مواجهة فردية و مادية الحضارة الغربية .
و تعود حتمية تحديد المرجعية النهائية , كما أكد الدكتور عبدالوهاب المسيرى في تقديمه لبرنامج حزب الوسط , إلى عدم غياب تحديد المرجعية لاى مجتمع ما؛ فهي التي تحدد أولوياته و معايير حكمه على الظواهر و الأحداث .و إذا لم يتم تحديد و اتفاق مجتمعي على مرجعية ما تتفق و ثقافة و حضارة هذا المجتمع , سيقوم غيرنا بتحديد أولوياتنا لنا , طبقا لتحيزات الآخر ..

كان الدكتور المسيرى يتخذ موقف الرافض للواحدية المادية العلمية و للتعصب للمناهج الرياضية , و هو الذي اعاد الاعتبار للخيال و المجاز و الحدس في عملية التفكير العلمي . هو من علمنا كيفية التأمل في المعلومات و تفسيرها , و كيفية اكتشاف الأنماط و النماذج داخل ركام التفاصيل المتغيرة , و كيف يمكن " تجريد الحقيقة من الحقائق ..!!" على حد تعبيره في رحلته الفكرية, كما تعلم هو بدوره من أساتذته و معلميه أمثال د. جمال حمدان وغيره .



المشترك الإنساني :



أكد المسيرى على أهمية المشترك الإنساني التي لا تستبعد بعموميتها الهوية و الخصوصية كما جاء في تقديمه لبرنامج حزب الوسط , فهذا الفهم نابع من دراسته للإنسان كظاهرة مركبة عميقة بعيدا عن الواحدية و المادية التي هي نتاج فكر حركة الاستنارة الغربية التي أفرزت لنا الحضارة الغربية المادية الطبيعية , التي ابتعدت عن الإنسان و جعلته آلة استعمالية و إهمال الجانب الإنساني في عملية " التقدم " المزعومة .

عن الموضوعية :

من خلال سيرة " غير ذاتية " و " غير موضوعية " ؛ أكد المسيرى على رفضه لمبدأ " الموضوعية ", و هو الموقف المزاد لفكرة :" التحيز ". فالموضوعية , حسب تقدير المسيرى , هي " الموضوعية الفوتوغرافية " التي تتنافى مع " القدرة التوليدية للعقل " و كأن الموضوعية تنكر إيجابية العقل ؛ فالعقل ذو القدرة التوليدية:" ليس مجرد وعاء مادي متلق للمعلومات "..
فتحيز المسيرى , لفكرة العقل التوليدي , ما هو إلا تحيز للمنظومة الحضارية الإسلامية , التي بها تميزت بلاد حضارة الإسلام و في ظلها أبدع مفكروها و علماؤها و قادتها على حد تعبيره , و بلغتها نطق وعاظهم و قديسوهم , و لهم في انجازاتها كلها دور مشهود و جهد غير منكور .[2]
فالعقل التوليدي , كما بينه لنا المسيرى , هو عقل متلق ايجابي , يتبع تحيزه , بتلقيه المعلومات من الواقع , فيقوم العقل ( غير البسيط و المركب ) بالحذف و الإضافة و التحليل و التعديل , كما أسلفنا .
كما أكد على ضرورة اندماج المثقف بالشارع , من خلال فكرة المثقف العضوى ,الذى يفقد الكثير بل كل دوره بعدم فاعليته فى مجتمعه و قدرته على التأثير و التغيير , اذن تنتفى عنه ثقافته لعدم تمام معرفته بأصل دوره الحقيقى فى خدمة مجتمعه .


منهجه فى دراسة الظواهر :
- بداية , يعرض الدكتور المسيرى الأسئلة التى تطرحها الحضارة الغربية على العالم و أيضا الأسئلة التى يطرحها الواقع العربى الإسلامى .و منه يبدأ بعملية النقد والتقييم المستمريين ( فكر الحضارة المادية الغربية – الامبريالية الغربية و الاستعمار – الصهوينية – العلمانية – التقدم – الموضوعية ..الخ ), حيث ان التفسيرات التى طرحت لفهم هذه الظواهر لا تتناسب و نتائجها التى أدت اليها , و لا مع فطرة الإنسان كما لمسها المسيرى من خلال تجربته الشخصية الثرية بالمواقف و المراجعات .كان المسيرى يبحث عن المنطلقات الفكرية التى تؤدى الى تفسيرات جديدة لموضوعات قديمة .
- ثم يذهب لدراسة الأصول و النماذج و أسباب نجاحها التى يزعم أصحابها أنها تفسر الظاهرة تفسيرا صحيحا ( مثال : الحركة الصهيونية واحتلالهم لدولة فلسطين ؛ من حق اليهود إقامة دولتهم التى وعدهم بها الله , و لما لا و قد كانت فلسطين أرضا بلا شعب , فمن حق الشعب اليهودى أن يسترد أرضه المقدسة لإقامة دولتهم عليها بعد ان كانوا فى الشتات و بلا أرض , غير ان من كان فى فلسطين من عرب قد باعوا ارضهم , و هذا يؤكد عدم احقيتهم لها – فهذا النموذج التفسيرى الذى قدمه الصهاينة بتأييد من الإمبريالية الغربية لتفسير إقامة دولة الكيان الصهيونى اسرائيل ) . و منه كان يقيس مدى امكانية استمرارلنجاح هذا التفسير عبر الزمان و النتائج المترتبة عليه وقياس مدى قدرته التفسيرية الأشمل للظاهرة .
- و من ثَم , يبدأ بوضع رؤية نقدية و نموذج تفسيرى جديد للظاهرة منطلقا لفهم عميق لكل جوانب الظاهرة و من تحيزاته الخاصة النابعة من معتقداته الفكرية و الحضارية , و التى تستطيع من وجهة نظره الاجابة على كل الأسئلة المتعلقة بتفسير الظاهرة تفسيرا شاملا , لا قصورفيه .( دولة اسرائيل ما هى الا جماعية وظيفية و ذراع للإستعمار الغربى من اجل الوصول الى العالم العربى بحيث يخدم مصالحه و يكون حائلا دون تقدم هذه المنطقة , و هذا يفسر الدعم الغربى للكيان الصهيونى ).
- ثم يعود المسيرى لضبط و تحرير المفاهيم و المصطلحات التى قد تساعد فى فهم الظاهرة بشمولية أكبر و ان تكون أقرب الى الحقيقة . و منها يُكَوِن النموذج التفسيرى الاكثر قدرة على تفسير موضوع الظاهرة , و فك رموزها و التباساتها .( التفريق فى المفهوم ما بين اليهودية و الصهيونية – تعريف للشعب اليهودى- الفن اليهودى – مفهوم الدولة ...الخ ).

كانت هذه هى منطلقاته لمشروعاته الفكرية التى خاطب بها عوالم أفكارنا , و أضاف لا منهجا فكريا جديدا و منظورا يحمل خصوصية حضارية لرؤية أكثر تحليلية و تفسيرية للواقع و للمفاهيم الملتبسة , من منظور حضارى عربى اسلامى . فهذه الرؤية هى التى يتحدد من خلالها الحاضر و المستقبل , بل و حتى نظرتنا للماضى
.


يوليو -2009

[1] - د. عبد الوهاب المسيرى , العالم من منظور غربى , دار الهلال , 2001 .
[2] - د. عبدالوهاب المسيرى , أوراق حزب الوسط .

جميع الحقوق محفوظة ....@ مدونة تعالوا